قصه مشوقه
الذي اكتشف اختفائه بالصدفة حين اتاه الحارس صباح اليوم وطلبه منه كي يهذب النباتات النامية عليه ويزيل الحشائش الضارة كيفما يفعل كل فترة وآخرى كي لا تعيق فتح الباب إن لزم الأمر وحين لم يجده بدرج مكتبه ثارت ثائرته ولم يتحمل تلك الشكوك التي داهمته و رغم نكرانها إلا أن قلبه يخبره أنها هي وراء اختفائه ولكن كيف!
وإن صدق حدسه فإلي أين تذهب ومع من!
ظلت الشكوك تتأكل رأسه مما جعله يشعر أنه سيهوي على حافة الجنون إن لم يجد تفسير منطقي للأمر انتشله من حالته تلك دخول الحارس له مهرولا ومنكس الرأس
لامؤاخذة يا بيه والله ما عارف عقلي خرب ولا ايه!
عقد يامن حاجبيه بوجه متجهم للغاية جعل الأخر يبتلع ريقه بتوجس قائلا وهو يمد يده له
تعلقت ناعستيه الثائرة بالمفتاح لثوان معدودة قبل أن يلمح طيف خلف باب مكتبه ليتنهد في عمق ويقول بنبرة ثابتة تخالف ضجيج رأسه
حصل خير يا مسعد وملوش لزوم تخليهم يغيروا الباب تقدر تنضف الزرع اللي حوليه وبعدين ترجعلي المفتاح تاني
بابها بحرص شديد ثم تنفست بإرتياح وكأنها أزاحت حمل ثقيل عن كاهلها لتحل رابطة شعرها وتبعثره بيدها وهي ترتمي على الفراش تتذكر كيف حاكت مكيدتها بعد خروجه من غرفتها بالصباح
Flash back
فقد تسللت دون ان يلحظها أحد إلى موضع جلسة الحارس الذي ما أن لمحها هرول مترقب لأوامرها لتأمره هي بنظرات زائغة وهي تمسد جبهتها مدعية الألم
تحت أمرك يا هانم ثواني والدوا يكون عندك
قالها وهو يرفع طرف جلبابه ويهرول خارج بوابة المنزل مسرعا بينما هي تقدمت بخطوات حريصة بعدما أمنت محيطها وتقدمت لغرفته الملاصقة للبوابة
تبحث بعينيها عن سلسلة مفاتيحه وما أن وجدتها زفرت بارتياح وهي تتمم ما خططت له كي تغطي على فعلتها
عادت مرة آخرى للوقت الحالي وهي تبتسم بسمة متهكمة منتصرة لأبعد حد وهي تخرج من تحت وسادتها تلك النسخة المستخرجة حديثا من ذلك المفتاح المنشود الذي بسببه تأخرت في إعادة النسخة الأصلية منه لتتسع بسمتها وهي تظن أن لا أحد يضاهي مكرها ولكن مهلا افعلي ما تشائين وسوف تتأكدي بنفسك انك أغبى أنثى على وجه الأرض ولا أحد يتمنى ان يكون بموضعك حينها
حضرتك فطرتي
لم يريد ان يسألها مباشرة كي لا تتخذ موضع الھجوم
بل فضل أن يراوغها بطريقة أخرى كي يسبر اغوارها وبالفعل حاز على انتباهها حين رفعت فيروزتها تطالع عينه المسلطة عليها في المرآة وهزت رأسها ب لا ليبتسم هو ويقول في حماس غير عادي
ولا
انا بصراحه ھموت من الجوع
ممكن نخبط طبقين فول من على العربية لو تحبي......! وبيتهيئلي لسة معانا وقت قال جملته الأخيرة وهو يتفقد الوقت بساعة يده
فول !!!
قالتها بتلقائية وهي تعتدل بجلستها
مما جعله يشعر بسخريتها ويؤكد بدفاع
اه فول ........ماله الفول ده هو مسمار البطن زي ما بيقولوا وكله بروتين احسن من اللحمة والفراخ
نفت برأسها بعدما شعرت انه سيتفهم أنها تتعالى
عليه
مش قصدي والله انا باكله عادي وداده محبة تعملهولي علطول بس متعودتش أكله من برة وخصوصا من على عربية يعني
جعد حاجبيه الكثيفين وأخبرها بحماس وبنبرة مشاكسة بعض الشيء كي يحفذها
لأ لعلمك بقى من على العربية بيكون ليه طعم تاني ويا سلام بقى لو معاه بصلتين كده يااااااه والله جوعتيني قال أخر جملة وهو يضغط على شفاه السفلية
فكانت تعبير وجهه المنعكسة بالمرآة ونبرته تلك كافية لتجعلها تبتسم دون وعي مما جعله يأخذها أشارة لموافقتها ويؤكد وهو يسحب عدة محارم ورقية وناولها لها دون أن يلتفت كي لا يخجلها
لو في دموع تانية أجليها للبصل الله يخليك إلا العربية هتغرق بينا
اتسعت بسمتها وتناولت منه المحارم تمسح وجهها قائلة
ماشي بس على ضمانتك
أجابها هو ببسمة مشاكسة
متقلقيش لو حصلك ټسمم غسيل المعدة عليا
نظرت نظرة مترددة إلى الطعام الموضوع أمامها وهي تراه يأكل بشهية غريبة ويلوك الطعام باستمتاع جعلها تتساءل هل حقا شهي لذلك الحد تنهدت وهي تستند على مقعدها الخشبي الذي يتوسط الرصيف أمام عربة الطعام وهي تنوي تذوقه والتأكد بذاتها وإن كادت تشرع بالأكل فانتفضت مذعورة من صوت مذياع أحد البائعين المتجولين وهو يصيح
روبابيكيا
ابتسم وهو يبتلع ما بفمه وقال كي يطمئنها
مټخافيش يا آنسة دي ناس على باب الله وبتسعى على أكل عيشها
هزت رأسها وهي تتمعن بذلك البائع وما تحويه عربته الخشبية من قطع متهالكة وإن صح القول خردة بالية لا نفع منها عقدت حاجبيها مستغربة وهي تلحظ وجه الرجل الذي لفحته الشمس ويبدو عليه الأرهاق الشديد ورغم ذلك لن ييأس ويظل يهتف بتلك الكلمة الغريبة على مسامعها بتفاني غريب جعل نظراتها تتبع عربته الخشبية إلى ان اختفى عن ناظريها وحل محله هؤلاء الأطفال بالجانب الآخر من الشارع فكانوا يمررون الطابة لبعضهم والحماس جلي على وجههم لتبتسم بسمة عابرة على سعادتهم وحماسهم البادي عليهم في حين هتف أحد الصبية على زميله بتعصب
تعال العب معانا هيغلبونا
رد الآخر عليه وهو يركض نحو فرن الخبز القريب
هجيب عيش لأمي الأول استنوني يا عيال
كانت تتبع الصبي بعيناها
حين وجدته يحشر وسط حشد من الناس يقفون بصفوف غير منتظمة ويجاهدون وهم ينتظروا دورهم في الحصول على ذلك الخبز الذي هو من وجه نظرها لا يستحق العناء للحصول عليه
لاحظ هو شرودها وتتبع نظراتها قائلا
متركزيش يا انسه ويلا مدي
ايدك علشان هنتأخر على جامعتك
تعلقت عيناها به وتسألت من وجهة نظرها السطحية للأمور
هما ليه پيتعذبوا كده في الشمس ومتحملين الأنتظار ما يقدرو يشترو عيش من السوبر ماركت ومن غير تعب عادي
قهقه هو بقوة حتى بانت غمازته مما جعل نظراتها تحتد وهي تشعر انه ېهينها بسخريته بينما هو أجابها مبرر بعدما تهادت ضحكاته
الناس دي غلابة يا انسة وهما هنا علشان الدولة مدعمة العيش ليهم علشان يسد جوعهم ده في منهم بياكلوه حاف من غير غموص و بيباتوا حامدين شاكرين
اشرأبت برأسها وسألت بتلقائية لم تتعمدها
ليه هو طعمه حلو اوي كده !
كبت ضحكته بصعوبة وأجابها متهكما وهو
يرفع حاجبيه ساخرا
أمال ايه ده مليان فيتامين
هزت رأسها مرة أخرى واستندت على ظهر مقعدها وهي تشرع بلأكل حين قال بنبرة راضية مفعمة بالكبرياء
على فكرة انا واحد من الناس الغلابة دي وعلشان كده بقولك أن اللقمة اللي بتيجي بعد تعب و جوع بيبقى ليها طعم مختلف محدش يعرفه غير اللي عارفين قيمة الصبر والرضا
أبتسمت من تحليله البسيط للأمور و تلقائيته معها وقالت وهي تغمس طرف المعلقة بطبق الفول وتدسها بفمها
هو انا اكيد مجربتش اللي بتقول عليه ده بس طعمه حلو
هز رأسه وأخبرها مشاكسا
لا انت فاهمة غلط انا مش عازمك عند الخواجة كنتاكي انت لازم تواكبي المكان
عقدت حاجبيها غير مستوعبة شيء من حديثه بينما هو كان يقطع لقمة كبيرة من رغيفه قائلا بحماس ادهشها
بصي لازم تعملي مركبة كبيرة وتغطسيها في الطبق زي كده هتحسي بطعمه احلى
قالها وهو يدس لقمته بفمه ويحسها بعينه أن تجرب مما جعلها بالفعل تقلده وهي تبتسم بسمة واسعة لا تعرف كيف تسربت من كآبتها المعتادة .
كانت الأجواء هادئة بينهم بعد آخر مشادة فهي تتصنع الڠضب وهو يتجاهلها حتى انه ينفرد بغرفته طوال الوقت كي لا يتصادم معها وتخرجه عن طوره كعادتها خرج من شروده على صوت والدته التي انتهت مكالمتها مع رهف
لتوها
رهف صوتها مش عاجبني .......
انتبه لحديثها وسألها
ليه يا أمي بتقولي كده!! هي قالتلك حاجة
أجابته بفطنة
يظهر أن حسن مزعلها
وهي انا عارفاها طول عمرها كتومة وعمرها ما هتشتكي
اجابها بحسرة على حال صديقه
حسن غبي وبيستغل ان رهف ملهاش حد غيره ومش هتقدر تسيبه
لتؤيده ثريا بحزن على حال تلك المسكينة
بس ليها طاقة وبني أدمة لازم يراعيها ويحترم نفسه ده لو لف الدنيا ميلقيش حد زيها
أنا مش هسكت انا بعز رهف زي بنتي ولازم أبهدله دي ملهاش غيرنا بعد مۏت أهلها
تنهد هو وقال في ضيق
ياريت يا امي تعرفي تفوقيه قبل فوات الآوان
أما عنها فقد وضعت الهاتف من يدها وظلت شاردة بعيون تفيض بالأسى فكم أرادت ان تبوح وتخفف عبء قلبها ولكن دائما ما تخشى على صورته أمام احد حتى ولو كانت لتلك السيدة الحنون التي بمثابة والدته تنهدت بعمق بعدما لفت انتباهها صړاخ أبنها على شقيقته يؤنبها على كسرها لأحد ألعابه في حين صغيرتها كانت تبكي بقوة آلمت قلبها وجعلتها تتدخل كي توجهه وهي ټحتضنها وتمسد على ظهرها
حبيبي متزعقش لأختك عيب كده هتزعلها منك وهي بتحبك .......
ليرد الصغير بتلقائية
هي غلطت وانا بزعق زي بابي
افحمها حديثه وجعلها تشعر أن الأرض تدور بها بينما خرجت ابنتها من وأخبرته بنبرة باكية
مش كان قصدي وبلاش تزعقلي علشان مش هكلمك تاني
ليجيبها الصغير
طب مش تزعلي مني .....واعملي زي مامي
غامت عيناها تحاول ان تتمالك اعصابها فكم أستطاع ابنها رغم صغر سنه إلا أنه ذكرها انها تقدم كبريائها تحت قدم أبيه نفضت افكارها بعدما تدخل قلبها اللين كالعادة وقالت معاتبة لأطفالها
احنا مينفعش نقلد الكبار يا شريف
وأخر مرة تزعل اختك ....العبوا مع بعض ....واللعبة اللي اتكسرت هجبلك غيرها .....يلا صالحها
راضى شريف شقيقته لتبتسم الآخرى بأسنانها المنقوصة وتخبره في مرح
تعال نلعب استغماية
بس انت اللي تستخبي وانا هدور عليك
لتشجعهم رهف وتقترح
طيب ايه رأيكم انا هلعب معاكم وانتو الاتنين تستخبوا
ليهللون بسعادة ويذهبون من أمامها لتنظر آثارهم بحزن شديد على ما توصل له حال زوجها ويؤثر بالسلب عليها وعلى أطفالها فقد تفاقم الأمر بينهم حتى انه أصبح غير محتمل .... طوال الوقت شارد حزين لا تعلم ما حل به ينفعل من كلمة صغيرة وتثور ثورته إن حاولت الأقتراب منه بل والأنكى من هذا انه يتصيد لها الأخطاء ويظل يؤنبها مما جعلها ...بائسة منطفأة طوال الوقت تدعوا الله ان يفك كربتها
استعدت للذهاب